مصيدة المغفلين

مصيدة المغفلين

منذ أن وطأت قدم المحتل أرض العراق انفتحت في العراق وبصورة لا سابق لها صفحة الحرب الطائفية ، فكان القتل على الهوية والتهجير ، والمفخخات الموجهة بعناية لتطال هذه الطائفة دون الأخرى . لم تكن مصادفة بالتأكيد أن يترافق هذان الحدثان المشؤمان ، بل إن قراءة واعية تتركز على رصد الوظيفة التي تنجزها صفحة الحرب الطائفية في مجمل الصورة العراقية التي يشكل فعل الإحتلال العنصر الأبرز فيها ، والحدث الذي يراد له الديمومة والبقاء ، كفيلة بوضع اليد ليس على دور المحتل في تأجيج أوار هذه الحرب القذرة فقط ، فالحق إن هذه نتيجة تكاد تكون متحصلة سلفاً ، لاسيما بعد أن عرفنا تأريخ القاعدة الرجسة المنبثق من الحاضنة المخابراتية الأمريكية . إن الدلالة الأهم – كما أرى – هي تلك المتعلقة بالوظيفة الخطيرة التي تنجزها الحرب الطائفية كما سلفت الإشارة .

فلقد أُريد لهذه الحرب أن تكون لعبة حرب يتلهى بها الهمجيون ، وينسون تماماً حربهم الحقيقية مع المحتل ، بل أُريد لها أن تكون هي الحرب الحقيقي ، وتكون المعركة مع الإحتلال فرضية تفتقد المسوغ الواقعي .

وللأسف الشديد استطاع المحتل أن يحقق نجاحاً منقطع النظير لخدعته التي تبدو مكشوفة الى حد بعيد ، ولا يعود السبب في ذلك الى ذكاء غير معهود يتمتع به المحتل ، بل إن نسبة كبيرة من هذا النجاح سببها إرادة أمراء الطوائف الواعية تماماً لأهداف هذه الحرب .

فهؤلاء الأمراء – وجلهم من أصحاب العمائم المزيفة – كانوا بأمس الحاجة لما يبررون به جبنهم وعمالتهم لولي نعمتهم الأمريكي ، فكانت هذه اللعبة خير وسيلة لصرف زاوية النظر بعيداً عنهم ، ثم ردها إليهم بعد أن تكون قد تغوشت واختلطت عليها الحسابات ، فيظهر هؤلاء الجبناء المتخاذلون أشبه ما يكون بأبطال الحكايات الخرافية المزيفين . فإذا كان البطل المزيف في الحكاية الخرافية يستغل غياب البطل الحقيقي لينسب إلى نفسه كل الخوارق التي أنجزها ذلك البطل ، فإن هؤلاء الأراذل يستغلون غياب البطولة الحقيقية – هذه المرة – عن وعي الناس ، وهو الغياب الذي صنعته أبواقهم الإستخفافية ، ليُظهروا للناس أن جبنهم وعمالتهم بطولة حقيقية وانجاز تأريخي بامتياز ( طبعاً هو امتياز أمريكي ) .

وهكذا في الحقيقة تنعكس أكثر المواقف عاراً ، وأشدها صفاقة ، في وعي الجماهير المُستحمرة بوصفه أروع ما تفتقت عنه العبقرية .

وبالصورة نفسها تُساق الجموع اليقظة النائمة إلى عرس موتها وهي لا تشك قيد أنملة في أن ما تقودها له أقدامها هو حفل ولادتها الجديدة !! بل إن هذه الجموع وهي تسير في موكبها الفنتازي لا تنسى أبداً أن تستجمع كامل طاقتها المتولدة من طحين الكمية المغشوش لتهتف بأسماء قاتليها / أبطالها المزيفين .

إن غيمة الكوميديا السوداء التي تحتل قلب المشهد العراقي يراد لها أن تُحل الهتاف للمرجع التافه المتخاذل ، والسياسي الذليل بديلاً عن الهتاف بموت المحتل ، والمؤسف حقاً أن هذه المؤامرة الفنتازية قد ألغت الواقع تماماً من وعي الجماهير المُستحمرة لتكون هي الواقع نفسه .. الواقع بطيلسان المأساة .

إن درجة تصديق القطاعات الواسعة باللعبة تتجلى بصورة مفجعة من خلال حفلات الشواء السادية التي يقيمها بين الفينة والأخرى جنود المرجعيات الأشاوس .. الأشاوس حد الإستلقاء على الظهر من شدة الضحك المر .

والمفجع حقاً إن نظرة تتبنى منظور الجماهير المُستحمرة يتجلى من خلالها نفق اللعبة الطويل بلا نهاية ، بل إن ما يلوح في الظلمة المعتمة يشبه الهاوية السحيقة إلى حد بعيد .

[/b]