أبوجهل ، بدر الكبرى و عبر
صفحة 1 من اصل 1
أبوجهل ، بدر الكبرى و عبر
قوله تعالى:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ - إلى قوله تعالى - كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ [2 - 6])
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ - إلى قوله تعالى - كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ [2 - 6])
1- علي بن إبراهيم: قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الآيات ، قال: إنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبي ذر وسلمان والمقداد[1].
2- قال علي بن إبراهيم: ثم ذكر بعد ذلك الأنفال وقسمة الغنائم وخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الحرب ، فقال: (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وإنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) وكان سبب ذلك أن عيرا لقريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم ، فأمر رسول الله أصحابه بالخروج ليأخذوها ، فأخبرهم أن الله قد وعده إحدى الطائفتين: إما العير ، وإما قريش إن ظفر بهم ، فخرج في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، فلما قارب بدرا كان أبوسفيان في العير ، فلما بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد خرج يتعرض للعير خاف خوفا شديدا ، ومضى إلى الشام ، فلما وافى بهرة[2] اكترى ضمضم الخزاعي بعشرة دنانير وأعطاه قلوصا[3] ، وقال له: امض إلى قريش وأخبرهم أن محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم ، فأدركوا العير ، وأوصاه أن يخرج ناقته ، ويقطع اذنها[4] حتى يسيل الدم ، ويشق ثوبه من قبل و دبر ، فإذا دخل مكة ولى وجهه إلى دبر البعير ، وصاح بأعلى صوته: يا آل غالب ، يا آل غالب ، اللطيمة اللطيمة[5] ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أراكم تدركون ، فإن محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم.
فخرج ضمضم يبادر إلى مكة. ورأت عاتكة بنت عبدالمطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة أيام كأن راكبا قد دخل مكة ، وهو ينادي: يا آل غالب ، يا آل غالب[6] ، اغدوا إلى مصارعكم ، صبح ثالث. ثم وافى بجمله على أبي قبيس ، فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل ، فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابه منه فلذة ، وكان وادي مكة قد سال من أسفله دما ، فانتبهت ذعرة ، فأخبرت العباس بذلك ، فأخبر العباس عتبة بن ربيعة ، فقال عتبة: هذه مصيبة تحدث في قريش.
وفشت الرؤيا في قريش ، وبلغ ذلك أبا جهل ، فقال: ما رأت عاتكة هذه الرؤيا ، وهذه نبيه ثانية في بني عبدالمطلب ، واللات والعزى لننتظرن ثلاثة أيام ، فإن كان ما رأت حقا فهو كما رأت ، وإن كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ولا نساء من بني هاشم. فلما مضى يوم ، قال أبوجهل: هذا يوم قد مضى. فلما كان اليوم الثاني ، قال أبوجهل: هذان يومان قد مضيا ، فلما كان اليوم الثالث ، وافى ضمضم ينادي في الوادي: يا آل غالب ، يا آل غالب ، اللطيمة اللطيمة ، العير العير ، أدركوا ، أدركوا ، وما أراكم تدركون ، فإن محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم.
فتصايح الناس بمكة وتهيأوا للخروج ، وقام سهيل بن عمرو وصفوان بن امية وأبوالبختري بن هشام ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، ونوفل بن خويلد ، فقالوا: يا معاشر قريش ، والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه ، أن يطمع محمد والصباة من أهل يثرب أن يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم ، فوالله ما قرشي ولا قرشية إلا ولها في هذا العير نش[7] فصاعدا ، وإن هو إلا الذل والصغار أن يطمع محمد في أموالكم ، ويفرق بينكم وبين متجركم ، فاخرجوا.
وأخرج صفوان بن امية خمس مائة دينار وجهز بها ، وأخرج سهيل بن عمرو [ خمس مائة ] ، وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرجوا مالا ، وحملوا ووقروا ، وأخرجوا على الصعبة والذلول ، لا يملكون أنفسهم ، كما قال الله تعالى: (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ)[8] وخرج معهم العباس بن عبدالمطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب ، وأخرجوا معهم القيان[9] ، يشربون الخمر ويضربون بالدفوف.
وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، فلما كان بقرب بدر على ليلة منها بعث عدي بن أبي الزغباء وبسبس بن عمرو يتجسسان خبر العير ، فأتيا ماء بدر وأناخا راحلتيهما ، وإستعذبا من الماء ، وسمعا جاريتين قد تشبثت إحداهما بالأخرى تطالبها بدرهم كان لها عليها ، فقالت: عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وكذا ، وهي تنزل غدا ها هنا ، وإنا أعمل لهم ، وأقضيك. فرجعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأخبراه بما سمعا ، فأقبل أبوسفيان بالعير ، فلما شارف بدرا تقدم العير ، وأقبل وحده حتى انتهى إلى ماء بدر ، وكان بها رجل من جهينة ، يقال له مجدي الجهني ، فقال له: مجدي ، هل لك علم بمحمد وأصحابه ؟ قال: لا ، قال: واللات والعزى ، لئن كتمتنا أمر محمد لا تزال قريش لك معادية إلى آخر الدهر ، فإنه ليس أحد من قريش إلا وله شيء في هذه العير نش فصاعدا ، فلا تكتمني. فقال: والله ما لي علم بمحمد ، وما بال محمد وأصحابه بالتجار ، إلا أني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا وإستعذبا من الماء ، وأناخا راحلتيهما في هذا المكان ورجعا ، فلا أدري من هما. فجاء أبوسفيان إلى موضع مناخ إبلهما ففت أبعار الإبل بيده ، فوجد فيها النوى ، فقال: هذه علائف يثرب ، هؤلاء والله عيون محمد. فرجع مسرعا ، وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر ، وتركوا الطريق ومروا مسرعين.
ونزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره أن العير قد أفلتت ، وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأمره بالقتال ، ووعده النصر ، وكان نازلا بالصفراء[10] ، فأحب أن يبلوا الأنصار لأنهم إنما وعدوه أن ينصروه في الدار ، فأخبرهم أن العير قد جازت ، وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عيرها ، وأن الله قد أمرني بمحاربتهم. فجزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك ، وخافوا خوفا شديدا ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أشيروا علي». فقام أبوبكر فقال: يا رسول الله ، إنها قريش وخيلاؤها ، ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلت منذ عزت ، ولم تخرج على هيئة الحرب. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اجلس». فجلس ، فقال: «أشيروا علي». فقام عمر[11] ، فقال مثل مقالة أبي بكر[12]. فقال (صلى الله عليه وآله): «اجلس». فجلس.
ثم قام المقداد (رحمه الله) ، فقال: يا رسول الله ، إنها قريش وخيلاؤها ، وقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت حق من عند الله ! والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا أو شوك الهراس[13] لخضنا معك ، ولا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)[14] ولكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فجزاه النبي (صلى الله عليه وآله) خيرا ، ثم جلس.
ثم قال: «أشيروا علي». فقام سعد بن معاذ ، فقال: بأبي أنت وامي - يا رسول الله - كأنك قد أردتنا ؟ فقال: «نعم». قال: فلعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره ؟ قال: «نعم». قال: بأبي أنت وأمي ، يا رسول الله ، إنا قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منها ما شئت ، والذي أخذت منه أحب إلي من الذي تركت ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك. فجزاه خيرا ، ثم قال سعد: بأبي أنت وامي ، يا رسول الله ، والله ما أخذت هذا الطريق قط ، ومالي به علم ، وقد خلفنا بالمدينة قوما ليس نحن بأشد جهادا لك منهم ، ولوعلموا أنها الحرب لما تخلفوا ، ونحن نعد لك الرواحل ونلقى عدونا ، فإنا نصبر عند اللقاء ، أنجاد في الحرب ، وإنا لنرجوا أن يقر الله عينك بنا ، فإن يك ما تحبه فهو ذاك ، وإن يك غير ذلك قعدت على راحلتك فلحقت بقومنا.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أو يحدث الله غير ذلك ، كأني بمصرع فلان هاهنا وبمصرع فلان هاهنا ، وبمصرع أبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبه ونبيه ابني الحجاج ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، ولن يخلف الله الميعاد». فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الآية (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ إلى قوله: وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)[15].
فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالرحيل حتى نزل عشاء على ماء بدر ، وهي العدوة الشامية ، فأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية ، وبعثت عبيدها تستعذب من الماء ، فأخذهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبسوهم ، فقالوا لهم: من أنتم ؟ قالوا: نحن عبيد قريش. قالوا: فأين العير؟ قالوا: لا علم لنا بالعير. فأقبلوا يضربونهم ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي ، فانفلت من صلاته ، فقال: «إن صدقوكم ضربتموهم ، وإن كذبوكم تركتموهم ! علي بهم». فأتوا بهم ، فقال لهم: «من أنتم ؟» فقالوا: يا محمد ، نحن عبيد قريش. قال: «كم القوم ؟» قالوا: لا علم لنا بعددهم. فقال: «كم ينحرون في كل يوم جزورا ؟» قالوا: تسعة إلى[16] عشرة. فقال: «تسع مائة إلى ألف» قال:
«فمن فيهم من بني هاشم ؟» فقالوا: العباس بن عبدالمطلب ، ونوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهم فحبسوا ، وبلغ قريشا ذلك ، فخافوا خوفا شديدا.
ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام ، فقال له: أما ترى هذا البغي ؟ والله ما أبصر موضع قدمي ، خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا بغيا وعدوانا ، والله ما أفلح قط قوم بغوا ، ولوددت أن ما في العير من أموال بني عبدمناف ذهب كله ، ولم نسر هذا المسير. فقال له أبوالبختري: إنك سيد من سادات قريش فسر في الناس وتحمل العير التي أصابها محمد وأصحابه بنخلة ودم ابن الحضرمي ، فإنه حليفك. فقال عتبة: أنت تشير علي بذلك ، وما على أحد منا خلاف إلا ابن حنظلة - يعني أبا جهل - فسر إليه وأعلمه أني قد تحملت العير التي قد أصابها محمد بنخلة ، ودم ابن الحضرمي.
قال أبوالبختري: فقصدت خباءه ، فإذا هو قد أخرج درعا له ، فقلت له: إن أبا الوليد بعثني إليك برسالة. فغضب ثم قال: أما وجد عتبة رسولا غيرك ؟ فقلت له: أما والله لو غيره أرسلني ما جئت ، ولكن أبا الوليد سيد العشيرة ، فغضب غضبة أخرى ، وقال: تقول: سيد العشيرة ؟! فقلت: أنا أقول وقريش كلها تقول ، أنه قد تحمل العير ، وما أصابه محمد بنخلة ، ودم ابن الحضرمي.
فقال: إن عتبة أطول الناس لسانا ، وأبلغهم في الكلام ، ويتعصب لمحمد ، فإنه من بني عبدمناف وإبنه معه ، ويريد أن يخذل الناس ، لا ، واللات والعزى حتى نقحم عليهم بيثرب ، ونأخذهم أسارى فندخلهم مكة ، وتتسامع العرب بذلك ، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه. وبلغ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثرة قريش ، ففزعوا فزعا شديدا ، وبكوا وإستغاثوا ، فأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله): (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[17].
فلما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجنه الليل ، ألقى الله على أصحابه النعاس حتى ناموا ، وأنزل الله تبارك وتعالى عليهم الماء ، وكان نزول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في موضع لا تثبت فيه القدم ، فأنزل الله عليهم السماء ولبد[18] الأرض حتى تثبت أقدامهم ، وهو قول الله تعالى (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ)[19] وذلك أن بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) احتلم (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ)[20] وكان المطر على قريش مثل العزالي[21] ، وعلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) رذاذا بقدر ما لبد الأرض ، وخافت قريش خوفا شديدا ، فأقبلوا يتحارسون ، يخافون البيات[22].
السلماني الذري- انصاري
- عدد الرسائل : 135
نقاط : 0
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 23/04/2007
رد: أبوجهل ، بدر الكبرى و عبر
فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمار بن ياسر وعبدالله بن مسعود ، وقال: «ادخلا في القوم ، وإتياني بأخبارهم». فكانا يجولان في عسكرهم ، لا يرون إلا خائفا ذعرا ، إذا صهل الفرس ثبت[23] على جحفلته[24] ، فسمعوا منبه بن الحجاج يقول:
لا يترك الجوع لنا مبيتا لا بد أن نموت أو نميتا
قال (صلى الله عليه وآله): «قد - والله - كانوا شباعى ، ولكنهم من الخوف قالوا هذا ، وألقى الله في قلوبهم الرعب ، كما قال الله تعالى: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)[25]. فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبّأ أصحابه ، وكان في عسكره (صلى الله عليه وآله) فرسان: فرس للزبير بن العوام ، وفرس للمقداد ، وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ومرثد بن أبي مرثد الغنوي على جمل [ يتعاقبون عليه ] ، والجمل لمرثد ، وكان في عسكر قريش أربع مائة فرس ، فعبّأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه بين يديه ، وقال: «غضوا أبصاركم ، ولا تبدأوهم بالقتال ، ولا يتكلمن أحد».
فلما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال أبوجهل: ما هم إلا أكلة رأس ، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد. فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كمينا ومددا ؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي ، وكان فارسا شجاعا ، فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثم صعد الوادي وصوت ، ثم رجع إلى قريش ، فقال: ما لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح[26] يثرب قد حملت الموت الناقع ، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون ، يتلمظون تلمظ الأفاعي ، ما لهم ملجأ إلا سيوفهم ، وما أراهم يولون حتى يقتلوا ، ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فارتأوا رأيكم. فقال أبو جهل: كذبت وجبنت ، وإنتفخ سحرك[27] حين نظرت إلى سيوف يثرب. وفزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نظروا إلى كثرة قريش وقوتهم ، فأنزل الله على رسوله: (وإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)[28] وقد علم الله أنهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم ، وإنما أراد سبحانه بذلك لتطيب قلوب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله). فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قريش ، فقال: «يا معشر قريش ، ما أحد من العرب أبغض إلي من أن أبدأكم ، فخلوني والعرب ، فإن أك صادقا فأنتم أعلى بي عينا ، وإن أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمري ، فارجعوا».
فقال عتبة: والله ، ما أفلح قوم قط ردوا هذا. ثم ركب جملا له أحمر ، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجول في العسكر وينهى عن القتال ، فقال: «إن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر ، فإن يطيعوه يرجعوا ويرشدوا». فأقبل عتبة يقول: يا معشر قريش ، اجتمعوا وسامعوا. ثم خطبهم ، فقال: يمن مع رحب ، ورحب مع يمن. يا معشر قريش ، أطيعوني اليوم ، وأعصوني الدهر ، وارجعوا إلى مكة واشربوا الخمور ، وعانقوا الحور ، فإن محمدا له إل وذمة ، وهو إبن عمكم ، فارجعوا ولا تردوا رأيي ، وإنما تطالبون محمدا بالعير التي أخذوها بنخلة ، ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله. فلما سمع أبوجهل ذلك غاضه ، وقال: إن عتبة أطول الناس لسانا ، وأبلغهم كلاما ، ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش إلى آخر الدهر. ثم قال: يا عتبة ، نظرت إلى سيوف بني عبدالمطلب وجبنت وإنتفخ سحرك ، وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا ثأرنا بأعيننا. فنزل عتبة عن جمله ، وحمل على أبي جهل ، وكان على فرس ، فأخذ بشعره ، فقال الناس: يقتله. فعرقب فرسه ، فقال: أمثلي يجبن ، وستعلم قريش اليوم أيّنا ألأم وأجبن ، وأيّنا المفسد لقومه ، لا يمشي إلا أنا وأنت إلى الموت عيانا. ثم قال:
هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه
ثم أخذ بشعره يجره ، فاجتمع إليه الناس ، وقالوا: يا أبا الوليد ، الله الله لا تفت في أعضاد الناس ، تنهى عن شيء وتكون أوله. فخلصوا أبا جهل من يده.
فنظر عتبة إلى أخيه شيبة ، ونظر إلى ابنه الوليد ، فقال: قم يا بني. فقام ثم لبس درعه ، وطلبوا له بيضة تسع رأسه ، فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتجر[29] بعمامتين ، ثم أخذ سيفه وتقدم هو وأخوه وإبنه ، ونادى: يا محمد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش. فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار: عوذ[30] ومعوذ وعوف من بني عفراء ، فقال عتبة: من أنتم ، انتسبوا لنعرفكم ؟ فقالوا: نحن بنوعفراء ، أنصار الله ، وأنصار رسوله. فقال: ارجعوا ، فإنا لسنا إياكم نريد ، إنما نريد الأكفاء من قريش. فبعث إليهم رسول الله: «أن ارجعوا». فرجعوا ، وكره أن يكون أول الكرة بالأنصار ، فرجعوا ووقفوا موقفهم.
ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان له سبعون سنة ، فقال له: «قم يا عبيدة». فقام بين يديه بالسيف ، ثم نظر إلى حمزة بن عبدالمطلب ، فقال: «قم يا عم» ثم نظر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال له: «قم يا علي» وكان أصغرهم ، فقاموا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيوفهم وقال: «فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم ، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها ، تريد أن تطفئ نور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره». ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا عبيدة ، عليك بعتبة» وقال لحمزة: «عليك بشيبة» وقال لعلي (عليه السلام): «عليك بالوليد بن عتبة». فمروا حتى انتهوا إلى القوم ، فقال عتبة: من أنتم ؟ انتسبوا حتى نعرفكم.
فقال عبيدة: أنا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب. فقال: كفؤ كريم ، فمن هذان ؟ فقال: حمزة بن عبدالمطلب ، وعلي بن أبي طالب. فقال: كفؤان كريمان ، لعن الله من واقفنا وإياكم هذا الموقف. فقال شيبة لحمزة: من أنت ؟ فقال: أنا حمزة بن عبدالمطلب ، أسد الله وأسد رسوله. فقال له شيبة: لقد لقيت أسد الحلفاء ، فانظر كيف تكون صولتك ، يا أسد الله. فحمل عبيدة على عتبة ، فضربه على رأسه ضربة فلق بها هامته ، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها وسقطا جميعا ، فحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما ، وكل واحد يتقي بدرقته ، وحمل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه ، فخرج السيف من إبطه. قال علي (عليه السلام): «فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي ، فظننت أن السماء وقعت على الأرض». ثم اعتنق حمزة وشيبة ، فقال المسلمون: يا علي ، أما ترى الكلب قد أبهر عمك ؟ فحمل عليه علي (عليه السلام) ، ثم قال: «يا عم طأطئ رأسك» وكان حمزة أطول من شيبة ، فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) على رأسه فطار نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه. وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتى أتيا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر إليه رسول الله ، فاستعبر ، فقال: يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ألست شهيدا ؟ قال: «بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي».
فقال: «أما لو كان عمك حيا لعلم أني أولى بما قال منه ، قال: «وأي أعمامي تريد ؟»[31] قال: أبا طالب ، حيث يقول:
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة». فقال: يا رسول الله ، أسخطت علي في هذه الحالة. فقال: «ما سخطت عليك ، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك». وقال أبوجهل لقريش: لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر أبناء ربيعة ، عليكم بأهل يثرب ، فاجزروهم جزرا ، وعليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة ، فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها. وكان فتية من قريش أسلموا بمكة ، فاحتبسهم آباؤهم ، فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم على الشك والارتياب والنفاق ، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبوقيس بن الفاكه ، والحارث بن ربيعة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن المنبه. فلما نظروا إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قالوا: مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة. فأنزل الله على رسوله: (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ واإلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[33] وجاء إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن مالك ، فقال لهم: أنا جار لكم ادفعوا إلي رايتكم. فدفعوها إليه ، وجاء بشياطينه يهول بهم على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويخيل إليهم ويفزعهم ، وأقبلت قريش يقدمها إبليس ، معه الراية ، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال: «غضوا أبصاركم ، وعضوا على النواجذ ، ولا تسلوا سيفا حتى آذن لكم».
ثم رفع يده إلى السماء ، فقال: يا رب ، إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد. ثم أصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت[34] العرق عن وجهه ، ويقول: «هذا جبرئيل قد أتاكم بألف من الملائكة مردفين».
قال: فنظرنا فإذا بسحابة سوداء فيها برق لائح قد وقعت على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقائل يقول: أقدم حيزوم ، أقدم حيزوم. وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ، ونظر إبليس إلى جبرئيل (عليه السلام) فتراجع ورمى باللواء ، فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه ، ثم قال: ويلك ، يا سراقة ، تفت في أعضاد الناس ، فركله إبليس ركلة في صدره ، ثم قال: إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله. وهو قول الله: (وإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وإنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ والله شَدِيدُ الْعِقابِ)[35]. ثم قال عز وجل: (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)[36].
قال: وحمل جبرئيل على إبليس فطلبه حتى غاص في البحر ، وقال: يا رب ، أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين. روي في الخبر: أن إبليس التفت إلى جبرئيل (عليه السلام) وهو في الهزيمة ، فقال: يا هذا ، أبدا لكم فيما أعطيتمونا ؟ فقيل لأبي عبدالله (عليه السلام): أترى كان يخاف أن يقتله ؟ فقال: «لا ، ولكنه كان يضربه ضربة يشينه منها إلى يوم القيامة».
وأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله): (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)[37] قال: أطراف الأصابع ، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، وخرج أبوجهل من بين الصفين ، وقال: اللهم ، إن محمدا أقطعنا للرحم ، وأتانا بما لا نعرفه فأحنه[38] الغداة ، فأنزل الله على رسوله: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وإنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)[39].
ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفا من حصى ورمى به في وجوه قريش ، وقال: «شاهت الوجوه» فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش ، فكانت الهزيمة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهم لا يفلتن فرعون هذه الأمة أبوجهل بن هشام ، فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، وإلتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل ، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه[40] ، وضرب أبوجهل عمرا على يده ، فأبانها من العضد ، فتعلقت بجلدة فاتكأ عمرو على يده برجله ، ثم نزا في السماء حتى انقطعت الجلدة ، ورمى بيده.
وقال عبدالله بن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحط في دمه ، فقلت: الحمد لله الذي أخزاك ، فرفع رأسه ، فقال: إنما أخزى الله عبد ابن ام عبد ، لمن الدائرة[41] ويلك. قلت: لله ولرسوله ، وإني قاتلك ، ووضعت رجلي على عنقه. فقال: ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ، أما إنه ليس شيء أشد من قتلك إياي في هذا اليوم ، ألا تولى قتلي رجل من المطيبين أو رجل من الأحلاف[42]. فاقتلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته ، وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقلت: يا رسول الله ، البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام ، فسجد لله شكرا.
لا يترك الجوع لنا مبيتا لا بد أن نموت أو نميتا
قال (صلى الله عليه وآله): «قد - والله - كانوا شباعى ، ولكنهم من الخوف قالوا هذا ، وألقى الله في قلوبهم الرعب ، كما قال الله تعالى: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)[25]. فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبّأ أصحابه ، وكان في عسكره (صلى الله عليه وآله) فرسان: فرس للزبير بن العوام ، وفرس للمقداد ، وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ومرثد بن أبي مرثد الغنوي على جمل [ يتعاقبون عليه ] ، والجمل لمرثد ، وكان في عسكر قريش أربع مائة فرس ، فعبّأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه بين يديه ، وقال: «غضوا أبصاركم ، ولا تبدأوهم بالقتال ، ولا يتكلمن أحد».
فلما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال أبوجهل: ما هم إلا أكلة رأس ، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد. فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كمينا ومددا ؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي ، وكان فارسا شجاعا ، فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثم صعد الوادي وصوت ، ثم رجع إلى قريش ، فقال: ما لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح[26] يثرب قد حملت الموت الناقع ، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون ، يتلمظون تلمظ الأفاعي ، ما لهم ملجأ إلا سيوفهم ، وما أراهم يولون حتى يقتلوا ، ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فارتأوا رأيكم. فقال أبو جهل: كذبت وجبنت ، وإنتفخ سحرك[27] حين نظرت إلى سيوف يثرب. وفزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نظروا إلى كثرة قريش وقوتهم ، فأنزل الله على رسوله: (وإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)[28] وقد علم الله أنهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم ، وإنما أراد سبحانه بذلك لتطيب قلوب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله). فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قريش ، فقال: «يا معشر قريش ، ما أحد من العرب أبغض إلي من أن أبدأكم ، فخلوني والعرب ، فإن أك صادقا فأنتم أعلى بي عينا ، وإن أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمري ، فارجعوا».
فقال عتبة: والله ، ما أفلح قوم قط ردوا هذا. ثم ركب جملا له أحمر ، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجول في العسكر وينهى عن القتال ، فقال: «إن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر ، فإن يطيعوه يرجعوا ويرشدوا». فأقبل عتبة يقول: يا معشر قريش ، اجتمعوا وسامعوا. ثم خطبهم ، فقال: يمن مع رحب ، ورحب مع يمن. يا معشر قريش ، أطيعوني اليوم ، وأعصوني الدهر ، وارجعوا إلى مكة واشربوا الخمور ، وعانقوا الحور ، فإن محمدا له إل وذمة ، وهو إبن عمكم ، فارجعوا ولا تردوا رأيي ، وإنما تطالبون محمدا بالعير التي أخذوها بنخلة ، ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله. فلما سمع أبوجهل ذلك غاضه ، وقال: إن عتبة أطول الناس لسانا ، وأبلغهم كلاما ، ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش إلى آخر الدهر. ثم قال: يا عتبة ، نظرت إلى سيوف بني عبدالمطلب وجبنت وإنتفخ سحرك ، وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا ثأرنا بأعيننا. فنزل عتبة عن جمله ، وحمل على أبي جهل ، وكان على فرس ، فأخذ بشعره ، فقال الناس: يقتله. فعرقب فرسه ، فقال: أمثلي يجبن ، وستعلم قريش اليوم أيّنا ألأم وأجبن ، وأيّنا المفسد لقومه ، لا يمشي إلا أنا وأنت إلى الموت عيانا. ثم قال:
هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه
ثم أخذ بشعره يجره ، فاجتمع إليه الناس ، وقالوا: يا أبا الوليد ، الله الله لا تفت في أعضاد الناس ، تنهى عن شيء وتكون أوله. فخلصوا أبا جهل من يده.
فنظر عتبة إلى أخيه شيبة ، ونظر إلى ابنه الوليد ، فقال: قم يا بني. فقام ثم لبس درعه ، وطلبوا له بيضة تسع رأسه ، فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتجر[29] بعمامتين ، ثم أخذ سيفه وتقدم هو وأخوه وإبنه ، ونادى: يا محمد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش. فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار: عوذ[30] ومعوذ وعوف من بني عفراء ، فقال عتبة: من أنتم ، انتسبوا لنعرفكم ؟ فقالوا: نحن بنوعفراء ، أنصار الله ، وأنصار رسوله. فقال: ارجعوا ، فإنا لسنا إياكم نريد ، إنما نريد الأكفاء من قريش. فبعث إليهم رسول الله: «أن ارجعوا». فرجعوا ، وكره أن يكون أول الكرة بالأنصار ، فرجعوا ووقفوا موقفهم.
ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان له سبعون سنة ، فقال له: «قم يا عبيدة». فقام بين يديه بالسيف ، ثم نظر إلى حمزة بن عبدالمطلب ، فقال: «قم يا عم» ثم نظر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال له: «قم يا علي» وكان أصغرهم ، فقاموا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيوفهم وقال: «فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم ، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها ، تريد أن تطفئ نور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره». ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا عبيدة ، عليك بعتبة» وقال لحمزة: «عليك بشيبة» وقال لعلي (عليه السلام): «عليك بالوليد بن عتبة». فمروا حتى انتهوا إلى القوم ، فقال عتبة: من أنتم ؟ انتسبوا حتى نعرفكم.
فقال عبيدة: أنا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب. فقال: كفؤ كريم ، فمن هذان ؟ فقال: حمزة بن عبدالمطلب ، وعلي بن أبي طالب. فقال: كفؤان كريمان ، لعن الله من واقفنا وإياكم هذا الموقف. فقال شيبة لحمزة: من أنت ؟ فقال: أنا حمزة بن عبدالمطلب ، أسد الله وأسد رسوله. فقال له شيبة: لقد لقيت أسد الحلفاء ، فانظر كيف تكون صولتك ، يا أسد الله. فحمل عبيدة على عتبة ، فضربه على رأسه ضربة فلق بها هامته ، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها وسقطا جميعا ، فحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما ، وكل واحد يتقي بدرقته ، وحمل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه ، فخرج السيف من إبطه. قال علي (عليه السلام): «فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي ، فظننت أن السماء وقعت على الأرض». ثم اعتنق حمزة وشيبة ، فقال المسلمون: يا علي ، أما ترى الكلب قد أبهر عمك ؟ فحمل عليه علي (عليه السلام) ، ثم قال: «يا عم طأطئ رأسك» وكان حمزة أطول من شيبة ، فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) على رأسه فطار نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه. وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتى أتيا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر إليه رسول الله ، فاستعبر ، فقال: يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ألست شهيدا ؟ قال: «بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي».
فقال: «أما لو كان عمك حيا لعلم أني أولى بما قال منه ، قال: «وأي أعمامي تريد ؟»[31] قال: أبا طالب ، حيث يقول:
كذبتم وبيت الله يبزى[32] محمد ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرّع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ونسلمه حتى نصرّع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة». فقال: يا رسول الله ، أسخطت علي في هذه الحالة. فقال: «ما سخطت عليك ، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك». وقال أبوجهل لقريش: لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر أبناء ربيعة ، عليكم بأهل يثرب ، فاجزروهم جزرا ، وعليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة ، فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها. وكان فتية من قريش أسلموا بمكة ، فاحتبسهم آباؤهم ، فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم على الشك والارتياب والنفاق ، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبوقيس بن الفاكه ، والحارث بن ربيعة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن المنبه. فلما نظروا إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قالوا: مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة. فأنزل الله على رسوله: (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ واإلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[33] وجاء إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن مالك ، فقال لهم: أنا جار لكم ادفعوا إلي رايتكم. فدفعوها إليه ، وجاء بشياطينه يهول بهم على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويخيل إليهم ويفزعهم ، وأقبلت قريش يقدمها إبليس ، معه الراية ، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال: «غضوا أبصاركم ، وعضوا على النواجذ ، ولا تسلوا سيفا حتى آذن لكم».
ثم رفع يده إلى السماء ، فقال: يا رب ، إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد. ثم أصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت[34] العرق عن وجهه ، ويقول: «هذا جبرئيل قد أتاكم بألف من الملائكة مردفين».
قال: فنظرنا فإذا بسحابة سوداء فيها برق لائح قد وقعت على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقائل يقول: أقدم حيزوم ، أقدم حيزوم. وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ، ونظر إبليس إلى جبرئيل (عليه السلام) فتراجع ورمى باللواء ، فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه ، ثم قال: ويلك ، يا سراقة ، تفت في أعضاد الناس ، فركله إبليس ركلة في صدره ، ثم قال: إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله. وهو قول الله: (وإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وإنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ والله شَدِيدُ الْعِقابِ)[35]. ثم قال عز وجل: (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)[36].
قال: وحمل جبرئيل على إبليس فطلبه حتى غاص في البحر ، وقال: يا رب ، أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين. روي في الخبر: أن إبليس التفت إلى جبرئيل (عليه السلام) وهو في الهزيمة ، فقال: يا هذا ، أبدا لكم فيما أعطيتمونا ؟ فقيل لأبي عبدالله (عليه السلام): أترى كان يخاف أن يقتله ؟ فقال: «لا ، ولكنه كان يضربه ضربة يشينه منها إلى يوم القيامة».
وأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله): (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)[37] قال: أطراف الأصابع ، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، وخرج أبوجهل من بين الصفين ، وقال: اللهم ، إن محمدا أقطعنا للرحم ، وأتانا بما لا نعرفه فأحنه[38] الغداة ، فأنزل الله على رسوله: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وإنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)[39].
ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفا من حصى ورمى به في وجوه قريش ، وقال: «شاهت الوجوه» فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش ، فكانت الهزيمة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهم لا يفلتن فرعون هذه الأمة أبوجهل بن هشام ، فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، وإلتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل ، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه[40] ، وضرب أبوجهل عمرا على يده ، فأبانها من العضد ، فتعلقت بجلدة فاتكأ عمرو على يده برجله ، ثم نزا في السماء حتى انقطعت الجلدة ، ورمى بيده.
وقال عبدالله بن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحط في دمه ، فقلت: الحمد لله الذي أخزاك ، فرفع رأسه ، فقال: إنما أخزى الله عبد ابن ام عبد ، لمن الدائرة[41] ويلك. قلت: لله ولرسوله ، وإني قاتلك ، ووضعت رجلي على عنقه. فقال: ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ، أما إنه ليس شيء أشد من قتلك إياي في هذا اليوم ، ألا تولى قتلي رجل من المطيبين أو رجل من الأحلاف[42]. فاقتلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته ، وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقلت: يا رسول الله ، البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام ، فسجد لله شكرا.
السلماني الذري- انصاري
- عدد الرسائل : 135
نقاط : 0
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 23/04/2007
رد: أبوجهل ، بدر الكبرى و عبر
وأسر أبوبشر الأنصاري العباس بن عبدالمطلب ، وعقيل بن أبي طالب ، وجاء بهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال له: «هل أعانك عليهما أحد ؟» قال: نعم ، رجل عليه ثياب بيض. فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): «ذلك من الملائكة».
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس: «افد نفسك وابن أخيك». فقال: يا رسول الله ، قد كنت أسلمت ، ولكن القوم استكرهوني. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الله أعلم بإسلامك ، إن يكن ما تذكر حقا فإن الله يجزيك عليه ، وأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا». ثم قال (صلى الله عليه وآله): «يا عباس ، إنكم خاصمتم الله فخصمكم». ثم قال: «أفد نفسك وإبن أخيك». وقد كان العباس أخذ معه أربعين أوقية من ذهب ، فغنمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس: «افد نفسك». قال: يا رسول الله ، احسبها من فدائي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك ، فافد نفسك وإبن أخيك» فقال العباس: فليس لي مال غير الذي ذهب مني. فقال: «بلى ، المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة ، فقلت لها: إن حدث علي حدث فاقسموه بينكم».
فقال له: تتركني[43] وأنا أسأل الناس بكفي. فأنزل الله على رسوله: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَحِيمٌ)[44] ، ثم قال: (وإنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ في علي فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[45].
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعقيل: «قد قتل الله - يا أبا يزيد - أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبه ونبيه ابني الحجاج ونوفل بن خويلد ، وأسر سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط» وفلان وفلان. فقال عقيل: إذن لا تنازعوا[46] في تهامة ، فإن كنت قد أثخنت القوم وإلا فاركب أكتافهم. فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله.
وكان القتلى ببدر سبعين والأسرى سبعين ، قتل منهم أمير المؤمنين (عليه السلام) سبعة وعشرين ، ولم يأسر أحدا ، فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الجبال ، وساقوهم على أقدامهم ، وجمعوا الغنائم ، وقتل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعة رجال ، فيهم سعد بن خيثمة ، وكان من النقباء. فرحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونزل الأثيل[47] عند غروب الشمس ، وهو من بدر على ستة أميال ، فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة ، وهما في قران واحد ، فقال النضر لعقبة: يا عقبة ، أنا وأنت مقتولان. قال عقبة: من بين قريش ! قال: نعم ، لأن محمدا قد نظر إلينا نظرة رأيت فيها القتل.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي ، علي بالنضر وعقبة» وكان النضر رجلا جميلا عليه شعر ، فجاء علي (عليه السلام) فأخذ بشعره فجره إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال النضر: يا محمد ، أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا أجريتني كرجل من قريش إن قتلتهم قتلتني ، وإن فاديتهم فاديتني ، وإن أطلقتهم أطلقتني. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالإسلام ، قدمه يا علي فاضرب عنقه». فقدمه وضرب عنقه. فقال عقبة: يا محمد ، ألم تقل: لا تصبر قريش ! أي لا يقتلون صبرا. قال: «أفأنت من قريش ! إنما أنت علج من أهل صفورية[48] ، لأنت من الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى إليه[49] ، ليس منها ، قدمه يا علي فاضرب عنقه» فقدمه وضرب عنقه.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس: «افد نفسك وابن أخيك». فقال: يا رسول الله ، قد كنت أسلمت ، ولكن القوم استكرهوني. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الله أعلم بإسلامك ، إن يكن ما تذكر حقا فإن الله يجزيك عليه ، وأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا». ثم قال (صلى الله عليه وآله): «يا عباس ، إنكم خاصمتم الله فخصمكم». ثم قال: «أفد نفسك وإبن أخيك». وقد كان العباس أخذ معه أربعين أوقية من ذهب ، فغنمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس: «افد نفسك». قال: يا رسول الله ، احسبها من فدائي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك ، فافد نفسك وإبن أخيك» فقال العباس: فليس لي مال غير الذي ذهب مني. فقال: «بلى ، المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة ، فقلت لها: إن حدث علي حدث فاقسموه بينكم».
فقال له: تتركني[43] وأنا أسأل الناس بكفي. فأنزل الله على رسوله: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَحِيمٌ)[44] ، ثم قال: (وإنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ في علي فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[45].
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعقيل: «قد قتل الله - يا أبا يزيد - أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبه ونبيه ابني الحجاج ونوفل بن خويلد ، وأسر سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط» وفلان وفلان. فقال عقيل: إذن لا تنازعوا[46] في تهامة ، فإن كنت قد أثخنت القوم وإلا فاركب أكتافهم. فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله.
وكان القتلى ببدر سبعين والأسرى سبعين ، قتل منهم أمير المؤمنين (عليه السلام) سبعة وعشرين ، ولم يأسر أحدا ، فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الجبال ، وساقوهم على أقدامهم ، وجمعوا الغنائم ، وقتل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعة رجال ، فيهم سعد بن خيثمة ، وكان من النقباء. فرحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونزل الأثيل[47] عند غروب الشمس ، وهو من بدر على ستة أميال ، فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة ، وهما في قران واحد ، فقال النضر لعقبة: يا عقبة ، أنا وأنت مقتولان. قال عقبة: من بين قريش ! قال: نعم ، لأن محمدا قد نظر إلينا نظرة رأيت فيها القتل.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي ، علي بالنضر وعقبة» وكان النضر رجلا جميلا عليه شعر ، فجاء علي (عليه السلام) فأخذ بشعره فجره إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال النضر: يا محمد ، أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا أجريتني كرجل من قريش إن قتلتهم قتلتني ، وإن فاديتهم فاديتني ، وإن أطلقتهم أطلقتني. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالإسلام ، قدمه يا علي فاضرب عنقه». فقدمه وضرب عنقه. فقال عقبة: يا محمد ، ألم تقل: لا تصبر قريش ! أي لا يقتلون صبرا. قال: «أفأنت من قريش ! إنما أنت علج من أهل صفورية[48] ، لأنت من الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى إليه[49] ، ليس منها ، قدمه يا علي فاضرب عنقه» فقدمه وضرب عنقه.
السلماني الذري- انصاري
- عدد الرسائل : 135
نقاط : 0
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 23/04/2007
رد: أبوجهل ، بدر الكبرى و عبر
فلما قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) النضر وعقبة خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلهم ، فقاموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله ، قد قتلنا سبعين ، وأسرنا سبعين ، وهم قومك واساراك ، هبهم لنا يا رسول الله ، وخذ منهم الفداء وأطلقهم. فأنزل الله عليه: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا والله يُرِيدُ الْآخِرَةَ والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً)[50] فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم ، وشرط أن يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء ، فرضوا منه بذلك ، فلما كان يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعون رجال ، فقال من بقي من أصحابه: يا رسول الله ، ما هذا الذي أصابنا ، وقد كنت تعدنا بالنصر ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم: (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) ببدر قتلتم سبعين ، وأسرتم سبعين (قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)[51] بما اشترطتم»[52].
من كتاب البرهان
[1] تفسير القمّي 1: 255.
[2] بهرة: موضع بنواحي المدينة ، أو موضع في اليمامة. «القاموس المحيط - بهر - 1: 393».
[3] القلوص من النوق: الشابة. «الصحاح - قلص - 3: 1054».
[4] في «ط» نسخة بدل: أنفها.
[5] اللطيمة: العير التي تحمل الطيب وبزّ التجّار ، ومنه: يا قوم اللطيمة اللطيمة ، أي أدركوها «أقرب الموارد - لطم - 2: 1145».
[6] في المصدر: يا آل عذر ، يا آل فهر. [.....]
[7] النّش: نصف أوقيّة ، ويعادل عشرين درهما. «الصحاح - نشش - 3: 1021» ، وفي المصدر: شيء.
[8] الأنفال 8: 47.
[9] القيان: جمع قينة: الأمة مغنّية كانت أو غير مغنّية. «الصحاح - قين - 6: 2186».
[10] الصفراء: واد من ناحية المدينة ، كثير النخل والزرع ، بينه وبين بدر مرحلة. «معجم البلدان 3: 412».
[11] في المصدر: الثاني.
[12] في المصدر: الأوّل.
[13] الهراس: شوك كأنّه حسك «لسان العرب - هرس - 60: 247».
[14] المائدة 5: 24.
[15] الأنفال 8: 5 - 8.
[16] في المصدر: أو.
[17] الأنفال 8: 9 - 10.
[18] لبد المطر والندى الأرض: ألصق بعض ترابها ببعض فصارت قويّة لا تسوخ فيها الأرجل.
[19] الأنفال 8: 11.
[20] الأنفال 8: 11. [.....]
[21] يقال للسّحابة إذا انهمرت بالمطر: قد حلّت عزاليها وأرسلت عزاليها. «لسان العرب - عزل - 11: 443».
[22] بيّنهم العدوّ بياتا: أي أوقع بهم ليلا. «الصحاح - بيت - 1: 245».
[23] في المصدر: وثب.
[24] الجحفلة لذي الحافر: كالشّفة للإنسان. «مجمع البحرين - جحفل - 5: 334».
[25] الأنفال 8: 12.
[26] الناضح: البعير يستقى عليه ، والجمع نواضح. «الصحاح - نضح - 1: 411».
[27] انتفح سحرك: أي رئتك ، يقال ذلك للجبان «النهاية 2: 346».
[28] الأنفال 8: 61.
[29] في المصدر: فاعتمّ
[30] في مغازي الواقدي 1: 68 معاذ ، بدل عوذ.
[31] في المصدر: تعني.
[32] يبزى: أى يقهر ويغلب ، أراد لا يبزى ، فحذف (لا) من جواب القسم ، وهي مراده ، أي لا يقهر ولم نقاتل عنه وندافع. «النهاية 1: 125».
[33] الأنفال 8: 49.
[34] أي يمسحه ويزيله. «انظر: المعجم الوسيط - سلت - 1: 441». [.....]
[35] الأنفال 8: 48.
[36] الأنفال 8: 50.
[37] الأنفال 8: 12.
[38] الحين: الهلاك ، وأحنه: أهلكه «القاموس المحيط 4: 219».
[39] الأنفال 8: 19.
[40] في المصدر: على فخذيه.
[41] ) في «ط» و «س» وإلمصدر: الدين ، وما أثبتناه من مغازي الواقدي 1: 90 وسيرة ابن هشام 2: 288.
[42] لمّا أرادت بنو عبدمناف أخذ ما في أيدي عبدالدار من الحجامة والرّفادة واللواء والسّقاية ، وأبت عبدالدار ، عقد كلّ قوم على أمرهم حلفا مؤكّدا على أن لا يتخاذلوا ، فاجتمع بنو عبد مناف وبنو زهرة وتيم وأسد ، وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ، فسمّوا المطيّبين ، وتعاقدت بنوعبدالدار مع جمح ومخزوم وعديّ وكعب وسهم حلفا آخر مؤكّدا ، فسمّوا الأحلاف لذلك. «النهاية 1: 425 و 3: 149».
[43] في المصدر: فقال ما تتركني إلّا.
[44] الأنفال 8: 70.
[45] الأنفال 8: 71.
[46] في المصدر: لا تنازع.
[47] الأثيل: موضع قرب المدينة. «معجم البلدان 1: 94».
[48] صفورية: بلدة بالأردن. «القاموس المحيط - صفر- 2: 73».
[49] في المصدر: له.
[50] الأنفال 8: 67 - 69.
[51] آل عمران 3: 165.
[52] تفسير القمّي 1: 255.
من كتاب البرهان
[1] تفسير القمّي 1: 255.
[2] بهرة: موضع بنواحي المدينة ، أو موضع في اليمامة. «القاموس المحيط - بهر - 1: 393».
[3] القلوص من النوق: الشابة. «الصحاح - قلص - 3: 1054».
[4] في «ط» نسخة بدل: أنفها.
[5] اللطيمة: العير التي تحمل الطيب وبزّ التجّار ، ومنه: يا قوم اللطيمة اللطيمة ، أي أدركوها «أقرب الموارد - لطم - 2: 1145».
[6] في المصدر: يا آل عذر ، يا آل فهر. [.....]
[7] النّش: نصف أوقيّة ، ويعادل عشرين درهما. «الصحاح - نشش - 3: 1021» ، وفي المصدر: شيء.
[8] الأنفال 8: 47.
[9] القيان: جمع قينة: الأمة مغنّية كانت أو غير مغنّية. «الصحاح - قين - 6: 2186».
[10] الصفراء: واد من ناحية المدينة ، كثير النخل والزرع ، بينه وبين بدر مرحلة. «معجم البلدان 3: 412».
[11] في المصدر: الثاني.
[12] في المصدر: الأوّل.
[13] الهراس: شوك كأنّه حسك «لسان العرب - هرس - 60: 247».
[14] المائدة 5: 24.
[15] الأنفال 8: 5 - 8.
[16] في المصدر: أو.
[17] الأنفال 8: 9 - 10.
[18] لبد المطر والندى الأرض: ألصق بعض ترابها ببعض فصارت قويّة لا تسوخ فيها الأرجل.
[19] الأنفال 8: 11.
[20] الأنفال 8: 11. [.....]
[21] يقال للسّحابة إذا انهمرت بالمطر: قد حلّت عزاليها وأرسلت عزاليها. «لسان العرب - عزل - 11: 443».
[22] بيّنهم العدوّ بياتا: أي أوقع بهم ليلا. «الصحاح - بيت - 1: 245».
[23] في المصدر: وثب.
[24] الجحفلة لذي الحافر: كالشّفة للإنسان. «مجمع البحرين - جحفل - 5: 334».
[25] الأنفال 8: 12.
[26] الناضح: البعير يستقى عليه ، والجمع نواضح. «الصحاح - نضح - 1: 411».
[27] انتفح سحرك: أي رئتك ، يقال ذلك للجبان «النهاية 2: 346».
[28] الأنفال 8: 61.
[29] في المصدر: فاعتمّ
[30] في مغازي الواقدي 1: 68 معاذ ، بدل عوذ.
[31] في المصدر: تعني.
[32] يبزى: أى يقهر ويغلب ، أراد لا يبزى ، فحذف (لا) من جواب القسم ، وهي مراده ، أي لا يقهر ولم نقاتل عنه وندافع. «النهاية 1: 125».
[33] الأنفال 8: 49.
[34] أي يمسحه ويزيله. «انظر: المعجم الوسيط - سلت - 1: 441». [.....]
[35] الأنفال 8: 48.
[36] الأنفال 8: 50.
[37] الأنفال 8: 12.
[38] الحين: الهلاك ، وأحنه: أهلكه «القاموس المحيط 4: 219».
[39] الأنفال 8: 19.
[40] في المصدر: على فخذيه.
[41] ) في «ط» و «س» وإلمصدر: الدين ، وما أثبتناه من مغازي الواقدي 1: 90 وسيرة ابن هشام 2: 288.
[42] لمّا أرادت بنو عبدمناف أخذ ما في أيدي عبدالدار من الحجامة والرّفادة واللواء والسّقاية ، وأبت عبدالدار ، عقد كلّ قوم على أمرهم حلفا مؤكّدا على أن لا يتخاذلوا ، فاجتمع بنو عبد مناف وبنو زهرة وتيم وأسد ، وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ، فسمّوا المطيّبين ، وتعاقدت بنوعبدالدار مع جمح ومخزوم وعديّ وكعب وسهم حلفا آخر مؤكّدا ، فسمّوا الأحلاف لذلك. «النهاية 1: 425 و 3: 149».
[43] في المصدر: فقال ما تتركني إلّا.
[44] الأنفال 8: 70.
[45] الأنفال 8: 71.
[46] في المصدر: لا تنازع.
[47] الأثيل: موضع قرب المدينة. «معجم البلدان 1: 94».
[48] صفورية: بلدة بالأردن. «القاموس المحيط - صفر- 2: 73».
[49] في المصدر: له.
[50] الأنفال 8: 67 - 69.
[51] آل عمران 3: 165.
[52] تفسير القمّي 1: 255.
السلماني الذري- انصاري
- عدد الرسائل : 135
نقاط : 0
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 23/04/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى